فصل: 5- قبول العرب بضياع فلسطين انتحار سياسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع: قراءة في فكر د. جمال حمدان من خلال كتاب صفحات من أوراقه الخاصة:

.تعريف بالمؤلف:

كتاب جمال حمدان صفحات من أوراقه الخاصة.
إعداد وتقديم: د. عبد الحميد صالح حمدان.
الناشر: دار الغد العربي- القاهرة 1996.
* ويقع هذا الكتاب في 182 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على خمسة فصول.
* وجمال حمدان لم يكن عالماً في الجغرافيا فحسب، ولكنه كان عبقرياً فذاً... وعاشقا لمصر كأعظم ما يكون الحب.

.الفصل الأول من الكتاب: جملة حقائق:

في الفصل الأول من الكتاب ذكر الكاتب جملة حقائق:

.1- الأضرار التي حدثت لمصر نتيجة بناء السد العالي والخطر الصهيوني:

أ- أصبحت أرض مصر معرضة للتآكل الجغرافي لأول مرة في التاريخ كله، وإلى الأبد، إذ تحولت من عالم متناه بالطبع والطبيعة الجغرافية، إلى عالم متآكل بفعل الإنسان، فأولاً السد العالي أوقف نمو أرض مصر أفقياً ورأسياً... وعرضها للتآكل البحري والصحراوي.
ب- أصبحت أرض مصر أرضاً مغلقة بيولوجيا بلا صرف بلا مصرف، وبالتالي لا تتجدد مياهها وتربتها، كما لم يعد تجدد أرضها وترابها، من ثم أصبحت بيئة تلوث نموذجية، وبقدر ما هي بللورة مركزة طبيعياً، ستصبح بللورة تلوث مكثفة حتى الموت البيلوجي.
جـ- لأول مرة ظهر لمصر منافسون ومطالبون ومدعون هيدرولوجيا، كانت مصر سيدة النيل- بل- مالكة النيل الوحيدة- الآن فقط انتهى هذا إلى الأبد، وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائي محدود، وثابت وغير قابل للزيادة، إن لم يكن للنقص، والمستقبل أسود ولّت أيام الغرق، وبدأت أيام الشرق وعرفت الجفاف، الجفاف المستديم بعد الري المستديم.
د- في الوقت نفسه بلغ عدد سكان مصر الذروة، غير المتصورة قط، بينما القاعدة الأرضية والمائية في انكماش أو انقراض.
هـ- مع كل هذه الانكماشات والانزلاقات الداخلية والذاتية، أتت الكوارث الخارجية لا فرادى، ولا بالمثنى، ولكن بالجمع والجملة:
* إسرائيل.
* بترول العرب.
* الانقلاب الكوني العالمي في الحضارة والتكنولوجيا، والهيمنة الأمريكية، وسقوط السوفييت... إلخ، هذا وحده عصف بكل ما تبقى من مكانة مصر، بعد أن تآكل المكان من العوامل الداخلية:
المتغيرات الداخلية تخرب المكان.
المتغيرات الخارجية تخرب المكان.
مصر تختلف عن كل بلاد العالم من حيت مشكلة تلوث البيئة، فهي أول بيئة زراعية في التاريخ غالباً، وهى الآن بيئة مرشحة للانقراض والاختفاء في التاريخ أيضا.
الآن تتعرض لأكبر عملية تلويث كيماوياً + تآكل ميكانيكيا، بحيث قد يأتي اليوم الذي تصبح فيه بيئة غير صالحة بتاتا لاستمرار حياة الإنسان، وعندئذ ينقرض السكان والإنسان بعد انقراض الأرض والبيئة!

.2- الحضارة الإسلامية هي حضارة الأقباط أيضا:

يقول بعض الأقباط: إننا شركاء حضارة واحدة هي الإسلام، وإننا نختلف ديناً، ولكن نشترك في الحضارة وحضارة القبطي هي الحضارة الإسلامية.
حسناً، ما المقصود بالحضارة الإسلامية؟ إذا كان الماضي، فذلك صحيح، أي إننا شركاء في التراث، ولكن إذا كان المقصود الآن والعصر الحديث فأين هي الحضارة الإسلامية؟ إن كل حياتنا المادية هي الحضارة الغربية 100% هل مجرد المساجد والجوامع تجعلنا حضارة إسلامية؟ كلا، إن الموجود الآن ليس حضارة إسلامية، ولكن ثقافة إسلامية، وجزئية عند ذلك هي اللغة طبعاً والدين + التلمذة الثقافية للغرب.
إذن نحن والأقباط شركاء- بعد الوطن والتاريخ والحضارة الإسلامية قديماً شركاء الآن في الثقافة نصف الغربية الإسلامية، إنهم أقرب المسيحيين في العالم إلى الإسلام بمعنى ما أو آخر. وفي هذا تفرد الأقلية القبطية لتضاف إلى عناصر تفرد مصر بعامة. وكما أن مصر فلتة جغرافية، فإن الأقباط فلتة طائفية.

.3- أنقذوا مصر من القاهرة، والقاهرة من نفسها:

كل طوبة توضع في القاهرة، هي جريمة في حق مصر كلها، وأولها القاهرة نفسها، كل كوبري يبنى داخل القاهرة، هو كبري مسروق من مدينة أو قناة أو منطقة أخرى في مصر.
مصر القوة والجمال- هذا ما نريد- القوة هي التحرر الوطني والسيادة الوطنية والعزة القومية، ونفى التبعية للاستعمار والصهيونية وإسرائيل: أما الجمال فهو عزة الإنسان المصري في دولته القوية: العدالة، المساواة، إعادة توزيع الملكية والدخل.
وقد عرف جمال حمدان المثقف الحق أو الجغرافي الكامل (ص 58):
هو الإنسان الذي يتجاوز دائرة ذاته، ليصل إلى المجتمع الأكبر كله، هو الإنسان القادر على أن يجعل مشاكل الآخرين هموماً شخصية له. هو ضمير عصره سابق لعصره في إدراك الخطر المستقبلي والحلم بالمستقبل، هو برج مراقبة للعالم من حوله، يرصد، ويحلل، يتوقع ويتنبأ، يحذر ويخطط لا يضيع في التفاصيل، وإن تابعها بكل تفصيل، يحول الشجار إلى نهاية، والتكتيك إلى الإستراتيجية، إنه مفكر إستراتيجي، كلي شمولي نبؤي... إلخ. حسناً، إذا كان هذا هو تعريف المثقف الشائع والأثر شيوعاً وقبولاً، فإن لم يكن هو تعريف الجغرافي فماذا يكون؟ إن المثقف الجغرافي هو سيد المثقفين. (ص 59).

.4- الحذر من فكرة العالمية:

نعم، العالم يصبح قرية كبيرة أو صغيرة- ولكن حذار من هيستيريا العالمية (لعبة أمريكا والغرب ضد الآخرين خصوصاً نحن)- المهم في الجغرافيا: لن يصبح العالم كذلك إقليمياً جغرافياً واحدا قط، ستظل الجغرافيا هي الجغرافيا، والعالم هو العالم- وماعدا ذلك فسفسطة وفلسفة مفلسة.

.5- لا ثقافة بلا جغرافيا (ص 64):

لا سياسة بلا جغرافيا، لا تاريخ بلا جغرافيا؟ لا عمران بلا جغرفيا؟ لا اقتصاد بلا جغرافيا، الجغرافيا والحياة؟ جغرافية الحياة، الجغرافية الحية.

.6- أهمية الجغرافيا للتاريخ (ص 67):

لا يتحول التاريخ إلى علم، إلا بتخصيبه بالجغرافيا، وبغير ذلك يظل كائناً عقيماً.

.الفصل الثالث من الكتاب: العرب والعالم العربي:

وفى الفصل الثالث تحدث الكاتب عن العرب والعالم العربي:

.1- ما دخل العرب التاريخ إلا بفضل الإسلام (ص 92):

بعد أن حاربوه طويلاً وبضراوة، قبل العرب الإسلام، وأقبلوا عليه بحماس لا يقل هوادة، ربما لأنهم أدركوا أنه أعظم استثمار قومي أتيح لهم في التاريخ. ولعلهم انقضّوا عليه لينشروه بقوة وعنف خارج الجزيرة، فعن طريقه فرضوا سيادتهم ولسانهم على المنطقة وعلى عالم بأسره، وكونوا لأنفسهم رصيداً تاريخياً قومياً يعيشون عليه إلى الأبد، فضلاً عن المكاسب المادية البحتة.
لقد خرج العرب من الصحراء، ودخلوا التاريخ بفضل الإسلام، وما كان لهم هذا ولا ذاك بدونه، لم يكن الإسلام بالنسبة للعرب رسالة من السماء فقط، ولكن أيضا نجدة من السماء.
قبل الإسلام، لم يكن عرب الجزيرة أمة، ولا كان لهم تاريخ، حتى أمة بلا تاريخ لم يكونوا، بل مجرد حفنة أو شرذمة من القبائل المتحاربة المتعاركة، المتطاحنة المتعددة اللهجات وأحيانا اللغات، وهى إن لم تكن تقع خارج التاريخ، فإن لها تاريخ فولكلوري على أكثر تقدير.

.2- المشرق العربي منطقة نفوذ أمريكي:

إن التوجه الطبيعي سياسياً وحضارياً واقتصادياً للعالم العربي والشرق الأوسط كله هو إلى أوربا، لا إلى أمريكا، مهما كان التفوق الأمريكي والسياسة والسيطرة الأمريكية. لكنه البترول أساسياً وإسرائيل أولاً، هما اللذان حرفا التوجه الطبيعي من أوربا إلى أمريكا ( + انحدار أوربا) (طبعاً)، لكن لولا إسرائيل + البترول، لكان المشرق العربي كله- كالمغرب العربي حاليا- بوصلته أوربا أساساً لا أمريكا، ولذا نجد الآن أن المشرق العربي منطقة نفوذ أمريكية بحتة، بينما المغرب العربي منطقة نفوذ أوربية فرنسية. أما الجزيرة العربية فكانت أشبه بجنوب شرق أوربا والبلقان. ضعف وتخلف ورجعية... إلخ، إلى أن قلبها البترول المجنون إلى أمريكا، ولكنها التابعة لأمريكا.

.3- كارثة فلسطين إسرائيل هي ببساطة كالآتي:

طلبت الصهيونية العالمية دولة لليهود في فلسطين فأسسها لهم العرب.
المعنى: قيام إسرائيل وضياع فلسطين هو مسؤولية العرب، والعجز العربي.. والخيانة العربية، والجبن العربي... والتفرق العربي، الذي حدد نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي، هو الصراع العربي- العربي. الفلسطينيون لم يبيعوا فلسطين لليهود، ولكن العرب هم الذين باعوا فلسطين والفلسطينيين لإسرائيل!

.4- الإسلام جاء ليبقى:

بعضهم يقول: القومية أيديولوجية- كالشيوعية وكالإسلام... إلخ. وكما سقطت الشيوعية سقطت القومية، وجاء الإسلام ليبقى... إلخ. حسناً، الشيوعية أيديولوجية، كالرأسمالية، وبعيدا عن الإسلام، الذي هو دين أولاً وآخر، وليس أيديولوجية بالمعنى الجاري، فإن القومية ليست أيديولوجية على الإطلاق، نأخذ بها أو نرفضها، تنمو أو تندثر... إلخ، إنما القومية طبيعة، عنصر طبيعي كالتضاريس والجبال والأجناس.. إلخ.

.5- قبول العرب بضياع فلسطين انتحار سياسي:

إن قبول العرب نهائياً بضياع فلسطين نهائياً، وتثبيت إسرائيل، وهو مقابل الخروج الأندلسي مع فروق، سيكون اعترافا، بل إعلانا من العرب عن إنهاء وحل العروبة والقومية العربية نهائيا وإلى الأبد. بمعنى أن أمة قررت حل نفسها، واعتبار ذاتها ليست أمة- تماما، كما أعلن الاتحاد السوفيتي حل نفسه وإنهاء وجوده كدولة.
وفى الحالين، فإنه انتحار سياسي وقومي على مبدأ بيدي لا بيد عمرو والعدو المضاد في حالتنا هو إسرائيل، وفي حالة الاتحاد السوفيتي أمريكا، وفي الحالين فإن أمريكا هي القاتل النهائي عن بعد Remote assassin.
نابليون هو أول أصحاب فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين- أي إسرائيل!!
لقد نجحت الصهيونية في إنهاء وإفناء القومية العربية، التي لم تكن قد بدأت بالكاد، وكانت في مرحلة التكوين والنمو بالمعنى الحديث- إذ يبدو أن إسرائيل لن تزول أبداً، فإذا ما بقيت فهذا حتماً هو زوال القومية العربية إلى الأبد، إنهما نقيضان مستحيل اجتماعهما.
إذا كان اليهود يقولون: لا معنى لإسرائيل بدون القدس، فنحن نقول لهم: لا معنى للعرب بدون فلسطين.
الكوارث السياسية التي أصابت العالم العربي + آثار البترول، سببت مرحلة أو عصراً من التحركات السكانية والهجرات والتبادلات السكانية + التزاوج الكثيف بين الدول العربية. دياسبورا الفلسطينيين في العالم العربي، جعلت الآلاف منهم يتزوجون عرباً آخرين كالمصريين والعرب، المصريين والليبيين بوتقة عربية حديثة وخطيرة. وهكذا أصبح في الشرق الأوسط بوتقتان متضادتان بوتقة إسرائيل، بوتقة العرب.